الأسباب الكامنة وراء غلاء ثمن العقار بالمغرب
ابتداء من سنة 1982 عرف المغرب زيادات سنوية في عدد الأسر بالوسط الحضري
تفوق الإنتاج السكني، وشكل هذا الضغط الديمغرافي سببا رئيسيا في تراكم عجز
سكني سنة تلو الأخرى ووصل سنة 2002 إلى حوالي 700 ألف وحدة سكنية، وتسبب
كذلك هذا التزايد السكاني في تكاثر الأحياء الكبرى غير القانونية التي
تفتقد للتجهيزات الضرورية والبنيات التحتية الأساسية. وتقدر الأسر القاطنة
بها بحوالي 540 ألف أسرة. لكن مع بداية سنة 2003 شهد المغرب قفزة نوعية في
السكن والإنعاش العقاري حيث بدأ الإنتاج السكني يفوق الزيادة السنوية للأسر
بالوسط الحضري مما جعل الآفاق مفتوحة نحو معالجة تدريجية للعجز السكني
المتراكم.
وهكذا فقد سجلت سنة 2005 بفضل الجهود المبذولة من القطاع العام والخاص
المتدخل في قطاع الإسكان والتعمير، إنتاج أزيد 113.000 وحدة سكنية
اجتماعية، والانتهاء من أشغال إعادة الهيكلة بالأحياء غير القانونية بقرابة
31.500 وحدة، وتم إعطاء انطلاقة بناء مليون و100 ألف وحدة خلال الفترة
الممتدة ما بين 2003 إلى 2006 ، من ضمنها 608 ألف تم الانتهاء منها،
وخلال الستة أشهر الأولى من سنة 2007 ،تم إطلاق 158 ألف وحدة من ضمنها 84
ألف و100 تم الانتهاء منها. وترجع وزارة الإسكان والتعمير الوصية عن هذا
القطاع الحيوي أسباب الانطلاقة الحقيقية لهذا القطاع إلى عدة عوامل أساسية،
بداية بالأهمية القصوى التي يحضى بها القطاع في البرنامج الحكومي، حسب
تصور استراتيجي، مرتكز على محاور رئيسية، أولها الرفع من الطاقة الإستعابية
للمدن وخلق أقطاب عمرانية جديدة، ثانيا ملائمة العرض السكني لحجم ونوعية
الطلب حيث تم تحديد فترة 2003-2008 كهدف لمضاعفة الإنتاج السنوي من وحدات
السكن الاجتماعي لبلوغ وثيرة 100 ألف وحدة، ثالثا تسريع وثيرة برامج القضاء
على السكن غير اللائق لإزالة أحياء الصفيح التي تم إحصاءها في أفق 2010
وحسب مقاربة جديدة أساسها "عقد المدينة" في إطار برنامج "مدن بدون صفيح"،
رابعا تأهيل المدن وتحسين ظروف السكن بالوسط القروي وذلك بتعزيز واستكمال
تغطية التراب الوطني بوثائق التعمير والسهر على تحيينها لتتلاءم والواقع
ولتندرج في سياق التوجهات الجديدة المحددة في إطار "مشروع المدينة "
و"المشروع الترابي"
وبين العوامل الأساسية التي ساهمت في هذه الطفرة النوعية للقطاع، برنامج
التقويم المالي والهيكلي للمؤسسات العمومية، حيث تم تجميع المؤسسات
العمومية للإسكان في قطب العمران، الذي التأمت في حظيرته مجموعة من الأرصدة
العقارية والمالية والخبرات والقدرات البشرية والتقنية التي كانت منتسبة
إلى الوكالة الوطنية لمحاربة السكن غير اللائق والشركة الوطنية للتجهيز
والبناء، وشركة التشارك. وسبق للوزير المنتدب المكلف بالإسكان والتعمير أن
أكد على أن مجموعة العمران تعد "قطبا اقتصاديا هاما " والمؤسسة العمومية
الأولى في البلاد على مستوى الاستثمار، وأن العمران تمثل " إحدى التحولات
الهامة " التي تم إدخالها على قطاع الإسكان والتعمير. وفيما يتعلق بالجانب
المالي تم اتخاذ الإجراءات الضرورية من أجل تصحيح الأوضاع المالية للمؤسسات
العمومية الفاعلة في القطاع ورسملتها بهدف رد الاعتبار لها واسترجاع
مصداقيتها إزاء العملاء وكافة المتعاملين معها، والرفع من قوتها التفاوضية
مع النظام البنكي الوطني والدولي.
كما لا يمكن إغفال الدور الكبير الذي يلعبه القطاع البنكي في التمويل
للأشخاص الذاتيين أو المعنويين في كل المشاريع العقارية والسكنية، حيث وصل
جاري القروض البنكية في السنة الماضية ما يقارب 70 مليار درهم بينما سنة
2006 لم تصل إلا إلى 53 مليار درهم، أي بزيادة تفوق 30 % وأدت المنافسة
المحمومة ما بين لأبناك إلى تخفيض نسبة الفائدة، وتداول أقساط شهرية مناسبة
ابتدءا من 800 درهم مما جعل عملية اقتناء سكن في متناول ذوي الدخل
المحدود.
وإذا كانت الدولة تقوم بمجهودات ايجابية لدعم هذا القطاع، ففي المقابل نرى
على أرض الواقع أن السمة البارزة لأسعار العقار خلال السنتين الأخيرتين هي
الارتفاع القياسي في أثمنة العقارات المخصصة للبناء سواء تعلق الأمر بالبقع
الأرضية المجهزة، أو الوحدات السكنية بكل أنواعها وبما فيها السكن
الاقتصادي المدعم من طرف الدولة في إطار الفصل 19 من قانون المالية 99-2000
الذي يمنح إعفاءات و تشجيعات ضريبية للمنعشين العقاريين الذين يتعهدون في
إطار عقدة مع الدولة بإنجاز 2500 وحدة اجتماعية في مدة أقصاها 5 سنوات.
ويفسر مختصون في مجال العقار الارتفاع الملتهب للأسعار بفعل الإقبال الكبير
الذي بدأ يعرفه سوق البناء والعقار من منعشين عقاريين جدد مغاربة أو
مستثمرين أجانب، نظرا لما يمكن أن يوفره هذا القطاع من هامش ربح يصل أحيان
إلى 30 % .
كما لا يمكن غظ الطرف عن غياب وثائق التعمير في بعض المدن أو إعادة النظر
في بعض تصاميم التهيئة لتشمل بعض المناطق الصالحة للاستثمار العقاري والعمل
على توسيع المدار الحضاري لبعض المدن للمساهمة في توازن العرض والطلب
المتعلق بالمساحات والأراضي المخصصة للبناء، ويؤكد هؤلاء المختصون أن عاملا
رئيسيا يلعب دورا كبير في ارتفاع الأسعار الخاصة بالسكن، هذا العامل
المتمثل أساسا في غلاء مجموعة من المواد الأساسية المستعملة في البناء
كالحديد والإسمنت، حيث وصل سعر كيس الإسمنت في بعض المناطق في الآونة
الأخيرة إلى 60 درهما عوض ثمنه السابق المحدد في 45 درهم، الذي يخضع بدوره
لقانون العرض والطلب.
وتعد ظاهرة "النوار" الناتجة عن المضاربات العقارية عبارة عن تملص ضريبي
لبعض المنعشين العقاريين الذين يلزمون الزبناء لأداء مبالغ مالية مسبقة لا
يتم تضمينها في العقد النهائي للبيع، ساعين في ذلك تخفيض مبالغ الضرائب
اللازم أداءها للدولة. ففي هذه الحالة الزبون يجد نفسه كما يقول المثل
"مجبر أخاك لا بطل"، وأحيانا برغبة غبية من بعض العملاء الذين يرغبون في
تخفيض واجبات التحفيظ والتسجيل، مستغفلين في هذا الأمر الذي هو" نقمة أكثر
ما هو نعمة"، ويتضح هذا الأمر حينما يصبح هذا الزبون بعد سنوات هو البائع
لهذا السكن وليس المشتري. في الوقت الذي نجد فيه بعض المنعشين العقاريين
يتخذون من ظاهرة "النوار" وسيلة أساسية لتعويض وتبرير بعض النفقات التي
تفتقد إلى ما يثبت أداءها للضريبة على القيمة المضافة.
ويقر بعض مهنيو القطاع، على أن الدولة نجحت إلى حد ما في سياستها العقارية
التي تتهجها في السنوات الأخيرة، إلا أن مشكل السكن بالمغرب يبقى مطروحا
بالنظر للخصاص المستمر، وبعض الإختلالات والنواقص المرتبطة بالقطاع ، خاصة
بالنظر لواقع الحال في مجال السكن الاقتصادي الذي من المفروض أن تستفيد منه
الفئات المتوسطة وذات الدخل المحدود فحين نجد أن هناك فئات أخرى تستفيد من
هذا السكن، الشيء الذي يفرغ مشروع السكن الاقتصادي المدعم من أهدافه
وفلسفته العامة المسطرة من قبل الدولة
منقووووووووول